الجمعة، 15 أبريل 2011

على هامش الحياة........حياة! *



هو فتى صغير يكاد يبلغ ال13 سنة من العمر. التقيته في صباح عاصف، عندما كنت خارجا من أحد المكاتب المختصة بانجاز المعاملات.
كان يحمل خشبتين مهترأتين بعض الشيء، على ما يبدو أحضرهما من احدى ورشات البناء لتشكل متكئا له. لماذا؟ لأن احدى أرجله قصيرة لا يستطيع لمس الأرض بها، أما الثانية فهي أسوأ حالا لأنه لا يقدر أن يمشي عليها بسب مرض ما حدثني عنه لاحقا..
كانت خطواته خفيفة وسريعة رغم المشاكل الجسدية التي يعانيها. فينتقل مع رجليه الخشبتين بين السيارات والمارة عابرا الشارع من جهة الى أخرى.
لقد أذهلني ذلك المشهد فتبعته! كانت وجهة سيره ترسم اتجاها نحو مستوعبات النفايات. ما ان وصل اليها حتى بدأت الأكياس تتطاير يمينا وشمالا الا أن التقط شيئا ما وبدأ يأكله بطريقة غريبة وكأنه هارب من مجاعة!
عندها اقتربت منه مسرعا فسألته عن الذي يفعله فأجاب
أنه قبل البدء بالعمل، كان من الضروري ايجاد شيء يأكله ليخمد أنين معدته الذي حرمه النوم لساعات في ليل تجمدت فيه الجدران لشدة برودته.
تلك الفضلات المرمية شكلت له فطورا لا بأس به. ما ان انتهى حتى عاد الى المستوعب مجددا ممزقا بيدي الطفولة التي غدر بها الجميع أكياس النفايات ليحصل على شيء يمكن بيعه.
لم يحالفه الحظ في المستوعب الأول، فتركه وانتقل لآخر، فعاودت أيدي الطفولة التي غدر بها الجميع لتمزق أكياسا أخرى. وما هي الا لحظات حتى أخرج عدة عبوات فارغة ليضعها بتأن وبروية داخل كيس كبير من القش كان أحكم الصاقه بدراجته النارية الصغيرة. ولما أراد الرحيل استوفته قليلا فسألته عن عمله ولماذا وكيف أصبح هكذا؟ نظر الي بجرأة - براءة الطفولة وأخبرني بأن أباه اضطر للعمل بدوام ليلي في مؤسسة خاصة وبات يهتم بشؤون البيت في النهار بعد أن توفيت أمه (أم الولد). فكان يجهز لنا الطعام ويهتم بنظافتنا ويساعدني واخوتي على قدرمعرفته بواجباتنا المدرسية. ولكن ذات ليلة بينما هو ذاهب للعمل، صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق، فظل ممدا على الأرض لساعات الا ان أنقذه شخص ما وأخذه الى المستشفى. لقد أصيب أبي بكسور عدة أجبرته الجلوس في المنزل. سكت قليلا، ثم تابع سائلا اياي الذهاب الى بيته لرؤية ما يعانوه.  عندها أحسست بشئ ما أخذ بيدي ووضعها على رأسه ثم على كتفه، وبدأت أفكر أأعطيه مالا أم أذهب معه؟ فكلتا الحالتين غير مجدية لأنها لن تغير الواقع.
لقد آلمتني تلك اللحظات، وآلمني ذلك الصباح، وآلمني أكثر عدم قدرتي على فعل أو تقديم أي شيء سوى مظلة كنت أحملها فأعطيته اياها علها تحميه من أمطار ذلك الصباح.
ركب دراجته النارية الصغيرة وسار بها الى مكان آخر ليس بأفضل من المكان الذي كان به. تابعت طريقي سيرا على الأقدام حتى اختنق صوت دراجته الصغيرة بضجيج المدينة!

*       قصة حقيقية حصلت معي في شتاء 2010-2011