الخميس، 27 فبراير 2014

باب التبانة: مقدمة نظرة عن كثب*

كانت «باب التبانة» قديماً تسمى «باب الذهب»، لكن التسمية الأخيرة إنطوت مع تلك الأيام والسنين التي كان فيها الخير والإزدهار لهذه المنطقة العزيزة.
التبانة كانت الوجهة المفضلة لأبناء طرابلس والمناطق التي حولها من عكار إلى الضنية وزغرتا والكورة والبترون وحتى مدينة جبيل.
كيف لا، وهي تؤمّن لهم حاجياتهم الغذائية على عدة صعد من خضار وفاكهة ومأكولات أخرى بأرخص الأسعار.
وكانت التبانة تستأثر بمعظم الزبائن الباحثين عن صيانة لسياراتهم، وتستقطب الجزء الأكبر من أصحاب المهن، فكانت من قلب الضجيج تنشر السلام والأمان.
مع غياب الدولة التدريجي وتقاعسها عن أداء واجباتها.
وغياب الإنماء.
وفرص العمل.
وانعدام الأمن.
ومع ذاك الغياب وهذا الحضور عادت المعارك تنهش من التبانة.
والأحوال تسوء بسرعة.. جولة بعد أخرى.
فيما صوت العدالة يختنق بروائح البارود أمام أعين المؤتمنين على البلد.
وتأتي الفاتورة باهظة جداً بعد كل معركة.
الخسائر البشرية لا تعوّض.
واليد التي بترت لن تعود إلى الأطفال كي يلتقطوا بها الكرة مرة أخرى.
قد لا يصح تحميل جزء من التقصير والمسؤولية إلى من سلبت حقوقه وحرم من أبسط أمور حياته.
إلاّ أن تكسير المدارس وسرقتها لمرات ومرات أمر مرفوض.
وأن فرض «خوة» شهرية على مؤسساتها أمر غير أخلاقي وغير مقبول على الإطلاق، لا سيما أن تلك المدارس تؤمن لأولادهم التعليم، وتلك المؤسسات تؤمن لأبنائهم العمل الشريف والمال للعيش الكريم.
لقد بلغت التبانة اليوم حداً خطيراً من الاهمال والنسيان، وسيقت أحلام أطفالها إلى الجحيم.
خلال إحدى ورشات التنمية البشرية، سألت أحد التلامذة عن حلمه المستقبلي.
فأجابني أنه ينوي العمل في مغسل سيارات.
بينما زميل آخر له يتمنى أن يصبح قائد محور.
وثالث حلمه أن ينقل أحجار الخفان من الشاحنة إلى داخل العمارة وهكذا...
لا شك أن الحرب فعلت فعلتها، لكن نوعاً بسيطاً من الاهتمام والمتابعة قادر على رفع سقف الطموح لديهم، بأن يمتلك الأول، مثلاً، معرضاً للسيارات.
وأن يصبح زميله قائداً عسكرياً لحماية الوطن.
وأن يكون الآخر مهندساً مبدعاً في العمارة وهكذا أيضاً...
كان الأجدر أن تنفق ملايين الدولارات التي تهدر الآن في المواقع الخطأ، كان الأجدر ان تنفق لدعم الشباب العاطلين عن العمل، كإعادة تطوير خبراتهم وإكسابهم مهارات جديدة ومميزة تشجعّهم على النهوض بمنطقتهم وأسرهم وتعزيز نموها.
ولا ننسى، هنا، واجب دعم المدارس من خلال تأهيل المباني وتجهيزها بما يتناسب مع متطلبات العلم الحديث، وعبر تأمين رسوم التسجيل والقرطاسية للتلاميذ غير القادرين على متابعة الدراسة وحماية الأهل من إستجداء المسؤولين أو المقتدرين مع بداية السنة الدراسية.
بالنهاية، قد يكون إعتراف الدولة الفعلي بتقصيرها بداية حل في التبانة عبر إعادة الأمن إليها وإلى مناطق التوتر، وتطبيق العدالة الشاملة، والعمل بجدية من أجل إنماء صادق على مختلف الصعد الإقتصادية والتربوية والصحية والإجتماعية.
وإعادة ردم الهوة بين المتنازعين أملاً بتضميد ندبات المعارك.

*عبدالرحمن وسام الأيوبي
مدير، خبير ومدرب دولي معتمد في التنمية البشرية
جريدة التمدن - العدد 1425

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق